بالنظر في معاجم اللغة، فإن كلمة «استدامة» تعني دوام الشيء واستمراره، فيُقال: «استدام الرَّاحة»، أي طلب استمرارها ودوامها، واستدامةُ العيش الرَّغيد: دوامُه واستمرارُه. وغالباً ما تُقرَن الاستدامة بالبيئة، ومواردها الطبيعية التي يسعى الإنسان إلى الحفاظ عليها، لتأمين احتياجات الأجيال المقبلة، غير أن هذا المفهوم يتسع ليشمل «الاستدامة الثقافيَّة»، التي تعني استدامة الآداب والفنون واللغات والموروثات الشعبية التي تميز شعباً من آخر.
لم تكن الاستدامة يوماً بعيدة عن مجال الأدب والفنون، فهي في أساسها ثقافة تُربَّى عليها الأجيال، لتترسخ قيمُها، وتغرس أخلاقياتها في نفوسهم منذ سنوات أعمارهم الأولى، فالأدب إنما سُمِّي أدباً لأنه «يَأْدِب (يدعو) الناس إلى المحامد، وينهاهم عن المقابح»، كما ورد في «لسان العرب»، وهو الأمر الذي فطنت إليه الأديبة الإماراتيَّة، فجعلته في مقدمة الرسائل التي تسعى إلى إيصالها إلى النشء عبر الكلمة والأدب، وباستخدام الأساليب الفنية الجمالية، التي تميز الخطاب الأدبي على اختلاف أنواعه، وتمايز أجناسه.
وهذا ما نلمسه في عدد من القصص الطفوليَّة التي أبدعتها أديبات إماراتيات، حرصن على توظيف المضامين القصصيَّة، بهدف توجيه الأطفال والناشئة إلى التمسك بقيم الاستدامة، والمحافظة على البيئة ومواردها الطبيعية. ومثال ذلك قصة «غافتان» لنادية النجَّار، التي تتخذ من شجرة «الغاف» رمزاً للحفاظ على البيئة، واستدامة مواردها، وذلك بثبات جذورها المتأصِّلة في أعماق صحراء الوطن، فالغافتان الصديقتان المتلازمتان بطلتا القصة، وأصبحتا علامتين جغرافيَّتين يستدل بهما القادمون إلى المنطقة، وهما ملاذ كثير من حيوانات الصحراء، مثل: البوم، والغربان، وعصافير الدّوري، وحشرات «الصّرناخ»، كما أنهما صديقتان للإنسان البدوي، الذي كثيراً ما لجأ هو وإبله إلى ظل الغافة وقت اشتداد حرارة الظهيرة، فضلاً عن أنه استطبَّ بأجزاء منها للتداوي، وأضاف بعضاً منها إلى طعامه اليومي.
ومن صور تحقيق الاستدامة الثقافيَّة عبر الأدب ما انتبهت إليه بعض المبدعات الإماراتيات عن طريق توظيف الموروث الشعبي الشفاهيِّ في قصصهنَّ الموجهة إلى الأطفال، مثل الحِكم والأمثال والأقوال المأثورة والأشعار والخراريف الشعبيَّة، التي تربط أطفال اليوم بقيم أجدادهم، وهوية أرضهم التي ينتمون إليها، بهدف تحقيق استدامة الفكر الإنساني والثقافي عبر الأجيال المتعاقبة، ومن ذلك ما نجده في قصة «ليالي جدَّتي سلامة وأمثالها الشعبيَّة» لعائشة الغيص، التي تتسامر فيها الجدة سلامة كل ليلة مع أحفادها، لتأخذهم في رحلة عبر الزمن إلى الماضي الجميل، وحكايات الغواصين والفلاحين التي اختَزَنَتْها ذاكرتُها، وذلك عبر قصص الأمثال الشعبية الإماراتية، كما نجد ذلك التوظيف في قصة «أحمد الحلو» لمروة العقروبي، التي صاغت قصة اجتماعيَّة طريفة عبر عددٍ من الأغاني الشعبية الإماراتيَّة، رغبة منها في حفظ ذلك الموروث الشفاهي، وإيصاله إلى القرَّاء الصغار.
وتنمُّ النماذج، التي أشرنا إليها على سبيل الذِّكر لا الحصر، عن مسؤولية ثقافية ومجتمعية تدركها وتعيها جيداً الأديبة الإماراتيَّة، التي تسعى بحرص واهتمام إلى تحقيق رؤية القيادة الحكيمة لدولة الإمارات العربية المتحدة في الإسهام محليّاً وعالميّاً في معالجة تحدِّيات الاستدامة عبر إبداع أدبي موجَّه إلى الطفل، تحت شعار «اليوم للغد».
*أستاذ مشارك في قسم اللغة العربيَّة وآدابها جامعة الشارقة.